في عيد الفلاح.. تعرف على ملامح حياته على مر العصور
البصمةفي مثل هذا اليوم -9 سبتمبر- منذ 67 عاماً صدر قانون الإصلاح الزراعي، بعد قيام ثورة الضباط الأحرار في يوليو عام 1952، ونص القانون على تحديد الملكية الزراعية للأفراد، وتوزيع ملكية كبار الملاك على صغار الفلاحين المعدمين الذين عانوا من الإقطاع على مدار سنوات طويلة، وصدرت تعديلات متتالية حددت ملكية الفرد والأسرة متدرجة من 200 فدان إلى 50 فدان للملاك القدامى، وعرفت هذه التعديلات بقانون الإصلاح الزراعي الأول.
توالت العصور على الفلاح المصري واختلفت طبيعته وشكل التعامل معه فكل عصر كان له خصائصه واختلافاته، وترصد "الشروق" جانب من حياة الفلاح في 3 عصور مختلفة..
- العصر الفرعوني
في كتاب "آثار حضارة الفراعنة في حياتنا الحالية" لمحرم كمال يروي في بعض صفحاته يوماً في حياة الفلاح المصري الفرعوني والمصطلحات التي كان يستخدمها، فيقول إن من أبرز مصطلحات الفلاح القديم هي "هوب هوب يا زرع النوب" وهي إحدى أغنياته التي يمارسها أثناء الزراعة.
وتعني الكلمات "أيها العمل أيها العمل إنت زرع تكسب دهب"، ف كلمة "هوب" العمل وكلمة النوب هي الذهب أو المال، ومن هذا يتضح أن الفلاح كان سعيداً بمحصوله وأنه كان سبب رزق واسع عليه في ذلك الوقت.
وللتعبير عن حاله أثناء العمل الشاق في زراعة وحرث المحاصيل كان الفلاح الفرعوني يغني "هوب يا هوب قتلني الشوب"، وكما ذُكر "الهوب" معناه العمل أما "شوب" فكلمة فرعونية معناها الحرارة أو الحر الشديد.
ويقول علي إبراهيم حسن في كتابه "الحضارة المصرية والحضارات الشرقية في العصور القديمة" إن أبرز المحاصيل في عصور الفراعنة هي: الحبوب لصنع الخبز والكتان لنسج الملابس والبصل والعدس والشمام والخيار والتين.
وذكر حسن في كتابه أن الفلاح كان لديه أعمال أخرى يؤديها غير متابعة الأرض فعمل في نسج الصوف وصنع القوارب وصيد الأسماك.
وعن عناية ملوك الفراعنة بالزراعة، قال إن الفرعون المصري اهتم بالزراعة اهتماماً بالغاً والدليل بعض اللوحات التي اكتشفت ورسم عليها الكثير من فعاليات الزراعة في مصر القديمة ومنها لوحة الملك "أوها" أحد ملوك الأسرة الأولى وقف وبيده يحفر عدة ترع ووجدت له آثار تدل على أنه في ذلك الوقت بمراسيم حفلة قومية زراعية كبرى في مصر.
أما عن امتلاك الفلاح المصري للأرض الزراعية فيقول عطية الصيرفي في كتابه "تاريخ عمال الزراعة والتراحيل في مصر والعالم": "إن الفلاح المصري قد مارس بكفاءة وذكاء مهنة الفلاحة وصناعة الحفر والردم والإنشاءات معاً وذلك منذ بداية الحضارة المصرية القديمة ولكن ظل الفلاح بعيداً عن ملكية الأرض بالمعنى العلمي الحديث، فكانت الأرض كلها مملوكة ملكية خالصة للملوك والمعابد الفرعونية والحكومات في عصر الغزاة الذين أعطوا الفلاح حيازة صغيرة من الأرض لزراعتها مقابل الحصول على جزء من ريعها ومقابل عمله في أرضهم".
- عصور أخرى
تعرضت الدكتورة زبيدة محمد عطا في كتابها "الفلاح المصري بين العصر القبطي والعصر الإسلامي" لحياة الفلاح على مدار عصور مختلفة.
وتقول: "اختلف وضع الفلاح في ال3 قرون الأولى أو ما يعرف بالفترة الرومانية عن الفترة البيزنطية، حيث اهتم الرومان بالأرض لاحتياجهم لضرائبها وقمحها الذي كان يشحن إلى روما فيما يعرف ب«الشحنة السعيدة»".
وتضيف: "وكان لمصر وفلاحيها وضع خاص عن بقية أراضي الإمبراطورية الرومانية حددته تشريعات الأباطرة الخاصة بمصر، فكانت تشريعات الجزء الغربي للإمبراطورية لا تطبق على مصر مثل الإقطاع".
وتحكي: "وكان المزارع في هذه الفترة يلحق بقطعة أرض ليست ملكاً له على أن يتعهد بزراعتها مقابل أجر وليس له الحق في أن يهجر تلك الأرض، وإن فعل ذلك فالمالك له حق إعادته بالقوة وليس للمالك حق نزع الأرض من الفلاح وإعطاءها لغيره دون الرجوع للسلطة، إذ ينتقل المزارع مع الأرض بانتقالها من مالك لآخر".
وتروي: "وتم تقسيم الفلاحين في الإمبراطورية الرومانية إلى 3 أنواع، وهم: الفلاحون الأصليون الذين يعيشون على الأرض، ومسئولوا القرية وهم منفقدوا أرضهم أو غير مالكين لأرض ولكن يحق لهم الاشتراك مع غيرهم، والفلاح المربوط مع الأرض أو المسئول عنها".
وتضيف: "بعد الفتح الإسلامي ترك الفاتحون الأراضي في أيدي أهلها وفرضوا عليهم الجزية والخراج وكانت الجزية على البالغ ديناران ووضع على الأرض ك"جريب" بدينار واحد أو 3 أرادب من الطعام أو المحصول".
واستكملت: "وتمتعت الكنائس بأراض زراعية ممتدة المساحة وكان لها حق الحماية فكانت تملك قرى بأسرها والمقابل دفع الضرائب للدولة".
توضح: "وبدأ دخول القبائل العربية إلى مصر وعملهم في الزراعة مع الفلاحين في القرن الثاني الهجري - الثامن الميلادي- فجاءت قبيلة قيس إلى مصر وفي عهد آخر تم إرسال 3 آلاف عربي إلى الجهة الشرقية من مصر بدعوى من الحاكم أنها خالية من الفلاحين".
وتتابع: "وفي فترة الحكم العثماني نزع السلطان سليم الأول ملكية الأمراء المماليك ووزعها على أتباعه من الجنود الغزاة الذين أقاموا في مصر وبعض أمراء المماليك من أنصاره، ونتيجة للتوزيع العثماني للأراضي الزراعية المصرية تواجدت طبقة من الإقطاعيين المتمصرين، وكان الفلاح عبارة عن أجير للأرض يتمتع ببعض الحريات كالتنقل وترك الأرض والترحال لأماكن أخرى على عكس الفلاح الروسي الذي كان يعيش حياة عبودية –القنانة- كاملة وليس لديه حقوق مدنية كترك الأرض أو الترحال أو الزواج دون إذن".
واختتمت: "ومن خلال تطور علاقات العمل نشأ العمل المأجور في الزراعة المصرية حيث كانت الإقطاعيات والوسايا تعتمد في زراعة الأرض وفلاحتها على عمل الأجراء الفلاحين الذين كانوا يتقاضون أجورهم على شكل أجور عينية من حبوب وبقول أو مقابل قطعة من الأرض يتم زراعتها لصالح الأجير".